2011-09-03

عمر طاهر يكتب فى التحرير: سعد

|

تقول صفاء أبو السعود «سعدنا بيها بيخليها ذكرى جميلة.. إلخ»، تحول سعدنا بيها إلى «سعد نبيهة»، تعتقد أنه إفيه يلعب على الاسم فتقول مثلا إن تطور مصر يمر بثلاث مراحل: سعد زغلول ثم سعد نبيهة ثم سعد الصغير. الحقيقة أن حياتى الشخصية كان بها صديق اسمه سعد وكانت والدته اسمها نبيهة.

كان سعد زميلنا فى معظم مراحل الدراسة، وكان جارنا، أما والدته فقد كانت على علاقة طيبة بمعظم أمهات أبناء شلتنا، كانت لعبتنا المفضلة فى الطفولة والمراهقة دائما أن نستفز سعد ونغنى له جملة واحدة فقط من الغنوة «سعد نبيهة.. سعد نبيهة»، أما لماذا كنا نستفز سعد فلأنه كان تركيبة متميزة، كان كوميديًّا دون أن يقصد وكان طيبا لكنه يفاجئنا بعبقرياته الخالدة.

فى إحدى المرات دخلت مدرسة التربية الوطنية وسألت الفصل «ما اللغة التى كان يتحدث بها المصريون قبل دخول اللغة العربية؟»، صمتنا جميعا لكن سعد رفع يده بجسارة طالبا الإجابة قائلا «اللغة الإنجليزية يا أبلة»، وقعنا جميعا فى الأرض من شدة الضحك، خصوصا عندما قالت له المدرسة «وحياة أمك؟».

وفى رحلة تعارف بين مدارس الصعيد إلى أسوان أقمنا معرضا صغيرا يعبر عن المحافظة، وعند زيارة محافظ أسوان المعسكر مر به وسأل سعد «تعرف إيه أصل كلمة سوهاج؟»، سعد لا يتردد أبدا فى تقديم إجابة يراها مقنعة من وجهة نظره.. فقال للمحافظ «الكلمة من جزءين (سو) وهى تعنى جدا بالإنجليزية.. وكلمة (هاج)» ثم صمت سعد ليكمل قائلا «يعنى معناها.. هاج جدا» نظر إليه المحافظ مندهشا فقال سعد «وده لأن السوهاجية معروف عنهم أنهم دمهم حامى من أيام الفراعنة».

كان سعد عبقريا فى استخدام مواد الطبيعة المتاحة حوله، كان يحفر لنا أسماءنا بخط جميل على قطع متساوية من أخشاب شجر الجوافة ليظل الواحد منا طوال الليل يتأملها ويشم رائحة الجوافة المحببة للقلب، وفى أسوان وجد لدى مدير المعسكر بعضا من الطمى الأسوانى وظل طوال الليل يصنع منه تماثيل صغيرة لجمال عبد الناصر الذى كان يعشقه، وفى الصباح اقتنع باقتراح أحد زملائنا أن يبيعها لأبناء وفود المحافظات الأخرى حتى يوفر مبلغا يساعده على العودة من أسوان بهدايا لوالدته، نجحت الفكرة وجمع جنيهات ليست قليلة أنفقها فى دعوتنا لأكلة كفتة مشوية بعيدا عن أكل المعسكر الحقير.

فى إجازات الصيف كنا لا نمتلك سوى ملعب كرة قدم وحيد. فى إحدى السنوات توجهنا إليه بعد انتهاء الدراسة فوجدناه يمتلئ بالحشائش والأشواك العشوائية بطريقة لا يصلح معها اللعب، ظللنا لعدة أيام نتوجه إلى الملعب لتنظيفه لكن المهمة كانت أكبر من إمكانياتنا. فى إحدى الليالى بينما نقف تحت البيت قال لنا سعد أنا عندى فكرة، فى صباح اليوم التالى توجهنا إلى الملعب ودخلنا فوجدناه مليئا بعشرات الخرفان والماعز تتسلى بأكل الأشواك والحشائش وبعض الرعاة أصحاب القطعان وسعد يجلس معهم يحاورهم، وبعد ثلاثة أيام من فكرة سعد العبقرية كان الملعب مهيئا تماما.. بالمناسبة لم يكن سعد محبا للعبة كرة القدم.

كان شخصا دمثا وشديد الحياء، كان رد فعله على هتاف «سعد نبيهة» يليق بشخص محب لأهله «بس يا جدعان لأمى تسمعكوا تزعل» كان يخاف على زعلها ويبتسم للهتاف فى الوقت نفسه.

توفى سعد فى حادثة موتوسيكل بينما كان عائدا من مستودع الأنابيب بأنبوبة فى أول أيام رمضان منذ عدة سنوات، بعدها صارت أغنية «العيد فرحة» من ضمن الأشياء المربكة فى حياتى

0 Comments:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Animated Social Gadget - Blogger Tips and Widgets