(13)
لا يمكن التفكير فى عدم هروب مبارك فى أثناء أحداث ثورة يناير بمنأى عن جنون العظمة الملازم لشخص ظل يحكم البلد ثلاثين عاما متتالية والذى لا بد أن يتولد بداخله مهما قاوم الفكرة ومهما كانت طبيعته تميل إلى التواضع، العظمة التى تقود فى النهاية إلى حالة من اللا مبالاة تؤدى إلى السخرية من غَرْقَى العبارة أو الاستهزاء بالمعارضين السياسيين «خلّيهم يتسلوا» أو المجاهرة بأنه سيحكم البلد حتى آخر نفس بالعند فى الجميع، أو أن يقبل على نفسه أن يرتدى بدلة كُتب عليها اسمه بطولها وعرضها، العظمة التى تجعله يتفادى مصير من يراهم أقل شأنا منه مثل زين العابدين بن على فيرفض أن يكون نسخة منه، ربما لو لم يكن بن على قد هرب لفكر مبارك فى أن يكون الهروب حلا مطروحا ولكن فى سيناريو لا يوحى إلى أحد بأنه قد فر من البلد (رحلة للعلاج مثلا).
(14)
لا يمكن التفكير فى عدم الهرب أيضا بمنأى عن ثقة مبارك المطلقة فى أنه الأقوى فقد قهر الشعب ومعارضيه فى معارك كثيرة بفضل الحاشية والأمن والإعلام، كان يثق بأدوات قوته لكن سبحان الله كانت هذه الأدوات هى أول من سقط فى المعركة وتركته وحيدا يواجه قدره.
(15)
لا يمكن تجاهل تصريحه بأنه «دكتوراه فى العند». لم يلفت أحد نظره إلى كون العند يورّث الكفر وأن الناس كفرت بالفعل ولم يعد لديها بديل سوى اختيار رحيله عن الصورة تماما، أيضا كان هناك جزء من العند موجه ضد أمريكا التى بدأت بمساندة مبارك ثم بدأت توجه إليه رسائل ضمنية وصريحة بضرورة التخلى عن السلطة والاستجابة لإرادة الشعب.
(16)
لا يمكن تجاهل أن مبارك كان من الطبيعى أن يرفض نهاية غير منطقية لمسيرة حياته التى صدق بمرور الوقت أنها عظيمة، فانتصار أكتوبر الإنجاز الوحيد الواضح فى تاريخ هذا البلد فى السنوات الماضية تم اختزاله فى شخصه وصدّق هو هذا الكلام وكان يقوم بالتأمين عليه كلما حلت ذكرى النصر سواء فى خطاباته الرسمية أو فى دعم الجوقة الإعلامية له، وهو عميد الحكمة فى الشرق الأوسط ونصير الفقراء وبرنس الكبارى والأنفاق، تلك المسيرة العظيمة لا بد أن يخمن صاحبها فى نهاية عظيمة تليق بها تبدأ من تنصيبه ملكا على البلاد بشكل غير رسمى وتنتهى بترتيبات عالمية لجنازته العسكرية الرسمية، لكن أن يتم إقصاؤه من المشهد بهذه السهولة فهى نهاية لن يرضاها أبدا ولا بد أن يقاتل حتى يضمن النهاية التى ترضيه وتليق بقصة حياته يا ست حلاويات.
(17)
لا يمكن تجاهل أن مبارك كان شخصا «قلبه تقيل»، أولًا باعترافه لعماد أديب هو لا يستجيب للاستفزاز، وباعترافه أمام الكاميرات تلقى الطلقات فى إثيوبيا بثبات ثم قال للسائق «لف وارجع تانى»، وباعتراف التاريخ هو كان متهما فى قضية رفض الإنفاق على والدته وتم إلزامه بنفقة شهرية لها بحكم القضاء (القصة حدثت فى بداية الستينيات وهى متداولة فى الصحف والمواقع منذ فترة لكن للأمانة أنا شخصيا لا أمتلك دليلا أو وثيقة واضحة عليها)، لن يهرب مبارك من أجل حفنة قتلى فى مصادمات مع الشرطة أو بسبب لافتات تسخر منه فى الميدان، فى المقابل يتم استفزازه عندما يتعلق الأمر بالأموال التى يمتلكها، هنا فقط يرى أن الرد والانفعال والحززان فى النفس واجب لأن الاتهامات فى الذمة المالية لا تليق بكل هذة العظمة الكامنة بداخله.
(18)
لا يمكن تجاهل أن مبارك كان يراهن حتى اللحظة الأخيرة على عاطفة الشعب وكسب فى ذلك جولة لكنه خسر التالية، كان يراهن على أن الملايين لن يهون عليها العيش والملح وعِشرة السنين، إذا كانت مصر كلها قد بكت على (ماما نونة) عندما ماتت فى نهاية مسلسل يحيى الفخرانى، فما بالك بعِشرة 30 عاما مش 30 حلقة؟
(19)
لا يمكن تجاهل فكرة ما الذى يضمن سلامته إذا فكر فى الهروب إلى الخارج؟ هل كان سيجد أمانا وحماية أكثر من التى يعيشها فى مصر الآن؟
(20)
لا يمكن تجاهل أن مبارك لم يهرب لأنه لا يمتلك خطة واضحة لحياته يوما ما، هو غارق فى قرارة نفسه بشعور قلة الحيلة وأن ما يجرى فى حياته غير مرتب له أبدا فأصبح الشعور أصيلا لديه، بداية من التحاقه بالكلية الجوية بالصدفة، حسب اعترافه لعماد أديب، مرورا بأنه أصبح نائب رئيس جمهورية فى وقت كان يخطط فيه للعمل كسفير لمصر فى لندن، مرورا بأنه أصبح رئيس جمهورية فى لحظة قدرية بحتة، نهاية باعترافه بأنه لا أحد يعرف مَن الذى سيحكم مصر فى الانتخابات القادمة سوى الله.. (وقد كان مُحِقًّا فى هذة النقطة بالذات).
0 Comments:
إرسال تعليق